عبد الحكيم
عدد المساهمات : 84 تاريخ التسجيل : 30/01/2010 العمر : 64
| موضوع: إضاءات من حديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) الثلاثاء يناير 11, 2011 2:49 am | |
| ضاءات من حديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله )
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعةيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقاعليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدقبصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياًففاضت عيناه " متفق عليه( )
التعريف بالراوي : هو الصحابي الجليل ، سيد الحفاظ الأثبات ، أبو هريرة رضي الله عنه ، اختلففي اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة ، أرجحها أنه : عبد الرحمن بن صخرالدوسي ، أسلم عام خيبر ، أول سنة سبع . قال الذهبي : ( حمل عن النبي صلىالله عليه وسلم علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، لم يلحق في كثرته ) ولم يرو أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منه ، لملازمته له ، فقد بلغت مروياته 5374 حديثاً . روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إنكم تقولون : إن أبا هريرةيكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : ما بالالمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديثأبي هريرة ؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم لصفق بالأسواق وكنت ألزمرسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ، فأشهد إذا غابوا ، وأحفظ إذانسوا . وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم ، وكنت امرأ مسكيناً منمساكين الصفة أعي حين ينسون ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحديث يحدثه : إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبهإلا وعى ما أقول ، فبسطت نمرة علي ، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليهوسلم مقالته جمعتها إلى صدري ، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليهوسلم شيء( ) توفي أبو هريرة رضي الله عنه سنة سبع وخمسين للهجرة( )
المباحث اللغوية : سبعة : هذا العدد لا مفهوم له ، فقد وردت روايات أخرى تبين أن هناك منيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، غير هؤلاء المذكورين في الحديث . يظلهم الله في ظله : المراد به : ظل العرش ، كما في رواية أخرى : " في ظل عرشه " . يوم لا ظل إلا ظله : المراد : يوم القيامة . إمام عدل : الإمام لغة : هو كل من ائتم به من رئيس وغيره . واصطلاحاً : كل من وكل إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاةوالقضاة والوزراء وغيرهم والعدل ، ضد الجور ، والعادل من حكم بالحق . شاب نشأ في عبادة الله : خص الشاب بالذكر ، لأنه مظنة غلبة الهوى والشهوةوالطيش ، فكان ملازمته للعبادة مع وجود الصوارف أرفع درجة من ملازمة غيرهلها . اجتمعا عليه : أي : على الحب في الله ، وتفرقا عليه كذلك ، والمراد : أنالذي جمع بينهما المحبة في الله ، ولم يقطعها عارض دنيوي ، سواء اجتمعاحقيقة أم لا ، فالرابط بينهما المحبة في الله حتى الموت . ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال : دعته ، أي : طلبته ، ومنصب : المراد به:الأصل والشر والمكانة ، ويدخل فيه الحسب ، والمراد أنها دعته إلى الفاحشة . ورجل تصدق بصدقة : الصدقة : ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة ،سواء كان فرض كالزكاة المفروضة ، أو تطوعاً ، ثم غلب استعمال الصدقة علىصدقة التطوع . فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه : المراد بذلك المبالغة في إخفاءالصدقة بحيث إن شماله قربها من يمينه لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلتاليمين ، لشدة الخفاء . خالياً : من الخلو ، بحيث لا يكون عنده أحد ، وإنما خص بالذكر لأنه في هذه الحالة أبعد عن الريا ففاضت عيناه : من الدموع ، خشية لله عز وجل .
الأحكام والتوجيهات : 1- من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل بعض الأعمال ينال صاحبها جزاء خاصاً، لتميزه بهذا العمل ، وهذا فيه حث وترغيب في أمور كثيرة من الخير وهنا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم جزاء هؤلاء السبعة الذين تميز كل منهمبميزة خاصة ، وذكر هذا الفضل في أحاديث أخرى لغير هؤلاء السبعة ، مثل :الغازي في سبيل الله ، والذي ينظر المعسر ، ومعين الغارم ، وكثير الخطىإلى المساجد ، وغيرهم ، مما جعل أهل العلم يقولون أن العدد المذكور لامفهوم له ، فلا يراد به الحصر . وقد تتبع الحافظ ابن حجر رحمه الله تلك الخصال ، وأفرادها في كتاب اسمه: ( معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال ) . 2- ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له أيضاً ، إذ تدخل النساء معهم فيما ذكر إلا في موضعين ، هما : أ- الولاية العظمى والقضاء ، فالمرأة لا تلي المسلمين ولاية عامة ، ولاتكون قاضية ، لكن ينطبق عليها العدل فيما تصح به ولايتها ، كمديرة المدرسة، ونحوها . ب- ملازمة المسجد ، لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسد . وباقي الخصال تدخل فيها المرأة . 3- لقد عظم الشرع أمر العدل ، سواء كان في الولاية العظمى ، أو فيما دونهامن الولايات ، حتى في أمور الإنسان الأسرية ، كالعدل بين الزوجات ، والعدلبين الأولاد ، وغير ذلك ، قال تعالى : ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتابوأمرت لأعدل بينكم )( ) وقال صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الله واعدلوابين أولادكم "( ) وقال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )( ) ،وقال صلى الله عليه وسلم " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمينالرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا )( ) وذكر الإمام العادل في أول الخصال لعظم أمر الإمامة والعدل فيها . 4- مرحلة الشباب من أهم مراحل العمر ، تقوى فيها العزيمة ، وتكثر الآراء ،وتمتلئ بالحيوية والنشاط ، ولهذا من سلك منهج الله في شبابه ، وغالب هواهونزواته ، استحق تلك الدرجة العالية المذكورة في الحديث ، وما يعين الشبابعلى تحقيق هذه الخصلة : أ- طلب العلم والانشغال به . ب- تعويد النفس على استغلال الوقت بشتى الوسائل ، كبر الوالدين ، وقضاءحوائجهما ، وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالح . ج- مصادقة الصالحين المستقيمين على منهج الله تعالى . د- محاولة استغلال فرصة الشباب بحفظ كتاب الله تعالى أو شيء منه . 5- المساجد بيوت الله ، ومكان أداء العبادة المفروضة ، وأنواع من العباداتالمستحبة ، وميدان العلم والتعلم ، والمذاكرة والمناصحة ، وكلها أعمالجليلة، يستحق الملازم لها ذلك الثواب العظيم ، بالإضافة إلى أن المتعلقبالمسجد بعيد عن رؤية المنكرات ، وقريب من الله سبحانه وتعالى ، فيصفوقلبه ، وتنجلي همومه وأكداره ، ويعيش في روضة من رياض الجنة ، وبذلك تكفرسيئاته ، وتكثر حسناته والتعلق بالمساجد لا يعني الجلوس فيها جميع الأوقات ، بل وقت دون وقت ،لكن إذا خرج منها فإنه يحب الرجوع إليها ، وإذا جلس فيها أنس واطمأنوارتاحت نفسه . 6- العلاقات بين الناس قائمة على أسس متعددة من مصالح مادية ، وقرابة ،وشراكة مالية ، وتجانس خلقي ، ونحوها ، والإسلام يشجع قوة الترابط بينالمسلمين على أساس من المحبة في الله ، والقاسم المشترك فيها طاعة اللهتعالى ، ونصوص الكتاب والسنة تركز على هذا الجانب ، يقول تعالى : (إنماالمؤمنون إخوة )( ) ، ويقول تعالى ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاالمتقين )( ) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أوثق عري الإيمان :الحب في الله . والبغض في الله )( ) 7- للنفس البشرية رغبات وشهوات ، وجه الإسلام لإشباعها بمنهج ثابت معلوم ،والشيطان حريص على أن يميل الإنسان مع شهواته ويتبعها حتى يشاركه في الغيوالضلال ، ومما يميل إليه الرجل المرأة ، فإن اتصفت بصفات الجمال والمنصبوالحسب والشرف ، كان إليها أكثر ميلاً ، فإذا ما كانت الدعوة موجهة منها ،مع الأمن من الخوف تساقت إليها نفس الرجل أكثر ، وهنا يظهر داعي الإيمانعند المؤمن الصادق ، فيقول : إني أخاف الله ، فإذا قالها بلسان وصدقهاعمله ، نال جزاءه العظيم المذكور في الحديث ، وهكذا يريد الإسلام بأن يكونالرجال والنساء أعفاء شرفاء ، بعيدين عن الفواحش والآثام والمحرمات ،يراقبون الله سراً وعلانية . قال الشاعر : وإذا خلوت ريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
8- الصدقة مبدأ عظيم ، وفضلها جسيم ، وثمارها يانعة ، في الدنيا والآخرة ،لا تحصى النصوص في بيان فضلها وثوابها ، ومضاعفة الأجر لصاحبها ، وقربه منالجنةورضا الله ، وحجبه عن النار ، يقول الله تعالى : ( مثل الذين ينفقونأموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةوالله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )( ). والصدقة فاضلة سراً وعلانية ، يقول تعالى : ( إن تبدوا الصدقات فنعما هيوإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بماتعملون خبير )( ). والأفضل في إظهار الصدقة أو إخفائها يختلف باختلاف الأحوال ، فإن كان في إظهارها مصلحة فهو أفضل ، وإلا فإخفاؤها أفضل فرضاً ونفلاً. 9- ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال ، ومن أيسرها ، فقيه ثناء على الله ،وتمجيد ، وحمد ، وشكر له بما هو أهله ، واعتراف بالتقصير تجاهه ، وإذا كانهذا الثناء والذكر بعيداً عن أعين الناس ، وأثر في صاحبه خوفاً وخشية دمعتمنها عيناه ، أثابه الله تعالى على هذا الذكر الصادق الخالص بأن يظله فيظله يوم لا ظل إلا ظله . 10- مما أفاده الحديث : إخلاص العبادة لله جل وعلا ، فالأمر الجامع بينالعمال المذكورة في الحديث إخلاصها لله سبحانه وتعالى ، وتجريدها عنالمقاصد الأخرى . 11- ومن الأمور الجامعة بين هذه الصفات أيضاً : الصبر والتحمل ، ولا شك أنطاعة الله تعالى وتنفيذ أوامره تحتاج إلى صبر ومصابرة ، لأن فيها معارضةللشيطان والنفس والهوى ، فإذا جاهدهم وانتصر عليهم استحق الجزاء الأوفى. 12- مما يرشدنا إليه الحديث أيضاً : أن يحرص المؤمن على أن يوجد له عملاًخفياً لا يعلم عنه أحد من الناس ، ليكون أبعد عن الرياء ، وليتعودالإخلاص، فإن هذا مما يزيد ممارسته لتلك الأعمال الجليلة . | |
|