يصاب مريض السمنة بالاكتئاب خاصة مع تكرار الأنظمة الغذائية بدون جدوي ، وهنا يشير الخبراء إلى تلازم الاكتئاب مع زيادة الوزن في مجتمع أصيب بالهوس بالقوام الرفيع.
يعتقد الكثيرون أن السمنة تسبب الاكتئاب وإذا كانت هناك علاقة سبب ونتيجة، فإن السمنة هي التي تجعل الأفراد يشعرون بالاكتئاب ، ولكن بليندا نيدام، الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع بجامعة ألاباما في برمنغهام، ترى أن "هناك تفسيرا بديلا، وهو أن الاكتئاب يتسبب فعليا في زيادة الوزن".
وقد خلصت دراسة نيدام الجديدة إلى أن الشباب الذين أبلغوا عن أعراض الاكتئاب مثل الشعور بالحزن أو اليأس، زاد وزنهم بسرعة أكبر على مدى فترة 15 عاما، وتراكمت دهون في منطقة البطن لديهم أكثر من أولئك الذين يبدون أكثر سعادة. ووجدت الدراسة، التي نشرت في مجلة "أميركان جورنال أوف بابلك هيلث" بحسب جريدة "الشرق الأوسط" أن الذين كانوا أشخاصا بدينين منذ البداية، ربما يكونون قد عانوا من الاكتئاب في البداية، إلا أن حالة الاكتئاب لم تتطور لديهم بمرور الوقت.
وتعلل الدكتورة نيدام ذلك قائلة: «عندما تصاب بالاكتئاب، يغلب عليك الكسل وتميل إلى عدم ممارسة التمارين بقدر أكبر، وتميل إلى الأكل أكثر». وتستطرد نيدام قائلة: «إذا كنت تواجه مستويات عالية من الاكتئاب وتأخذ مضادات الاكتئاب، فإن هذه العقاقير ترتبط بزيادة الوزن أيضا» ، وأكدت أنه قد يكون هناك عامل ثالث خفي هو الذي يسبب فعلا كلا من الاكتئاب والسمنة.
وتقول الدكتورة نيدام: «نعتقد من خلال هذه الدراسة أن التوتر المزمن هو الوسيط، أي أن استثارة التوتر المزمن يؤدي إلى الاكتئاب، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الوزن». فهرمون التوتر (الكورتيزول) على سبيل المثال، يحفز الجسم على تخزين الدهون، وخاصة في منطقة البطن، حيث إن الجسم يقوم بتخزين السعرات الحرارية أثناء أوقات التوتر.
وقد كانت العلاقة بين السمنة والاكتئاب غامضة على الدوام، إذ يقول بعض خبراء السمنة، مثل كيلي برونيل من جامعة ييل: «إن السهم السببي يسير في الاتجاهين»، ولكن الشعور بالازدراء المرتبط بالسمنة يؤدي إلى التمييز والتحيز اللذين يؤديان لا محالة إلى الاكتئاب.
وتحذر الدكتورة نيدام من أن الجهود التي تبذلها مؤسسات الصحة العامة لمواجهة البدانة التي لا تضع في اعتبارها الصحة العاطفية للمصاب، وتعالج الاكتئاب الكامن قد لا تنجح. وأضافت نيدام: «السمنة والاكتئاب، كلاهما من أهم قضايا الصحة العامة التي يهتم بها الجميع، لكننا لا نفهم حقا الكثير عن العلاقة بينهما».
وتشير نيدام إلى «أننا نميل إلى الفصل بين العقل والجسم في ثقافتنا، ولكنهما مرتبطان أكثر بكثير مما ندرك»، محذرة من «أننا لن نفهم كيفية علاج السمنة إذا انصب كل تركيزنا على النظام الغذائي وممارسة الرياضة».
وحللت الدكتورة نيدام في دراستها بيانات 5115 من الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 من الذين شاركوا في دراسة «تطور مخاطر الشريان التاجي لدى الشباب». وخضع المشاركون إلى استبيان لتقييم أعراض الاكتئاب مرة كل خمس سنوات، وتتبع مؤشر كتلة الجسم ومحيط الخصر مع مرور الوقت.
ووجد الباحثون أنه على الرغم من زيادة أوزان الجميع خلال فترة الـ15 عاما، فإن الأفراد الذين زادت أوزانهم لم يزدادوا اكتئابا مع مرور الوقت. أما أولئك الذين عانوا أكثر من أعراض الاكتئاب فقد اكتسبوا مزيدا من الدهون في منطقة البطن مع مرور الوقت: بدأوا بمحيط خصر للدهون نحو 1.6 سم، أي نحو ستة أعشار البوصة، أكبر من خصر الذين يعانون من بعض الأعراض البسيطة للاكتئاب، وبحلولهم سن العشرين، أصبح محيط خصرهم 2.6 سم، أو ما يزيد على البوصة، أكبر من المجموعة التي لم تكن تعاني من الاكتئاب.
ووجدت دراسة للمراهقين في المدارس المتوسطة والعليا، أن من يعاني من الاكتئاب يتوقع له أن يصاب بالسمنة في السنة اللاحقة، ولكن الدراسة أكدت أن زيادة الوزن لم تترافق مع زيادة لاحقة في الاكتئاب ، ووجدت دراسة لكبار السن، العكس تماما، حيث إن السمنة في بداية الدراسة كانت مرتبطة بزيادة مخاطر التعرض إلى الاكتئاب بعد خمس سنوات، ولكن الاكتئاب ليس مرتبطا بزيادة مخاطر البدانة لاحقا.
ويرى بروس بلين، وهو أحد أطباء الصحة النفسية بكلية سانت جون فيشر في روتشستر، أن هذه الاختلافات بين الصغار والكبار قد تكون لها علاقة بالسن وفوارق النمو. حيث وجد بلين، الذي راجع 16 دراسة عن العلاقة بين الاكتئاب وزيادة الوزن، أن من يعانون من الاكتئاب يواجهون خطر الإصابة بالسمنة بدرجة أكبر. وكانت الفتيات أكثر المتأثرين في سن المراهقة، حيث تزيد احتمالية تعرضهن إلى السمنة بمقدار مرتين ونصف المرة حال معاناتهن من الاكتئاب.
يقول الدكتور بلين: «إن الذين يعانون من الاكتئاب لا يختلفون كثيرا من الناحية الفسيولوجية عن أولئك الذين يعانون من التوتر». ويستطرد قائلا: «إن جهازهم العصبي السمبثاوي يعمل بشكل مزمن، وأحد النتائج المترتبة على هذا هو زيادة تخزين الدهون».
ويضيف الدكتور بلين: «نحن نميل إلى النظر إلى الاكتئاب كنتيجة - أي أن هناك شيئا آخر يجعلنا نكتئب. لكننا لا ننظر إلى الاكتئاب باعتباره سببا لنتائج صحية أخرى»